حدود الرأي العام: العرب والإسرائيليون والتوازن الاستراتيجي
بقلم: جورج فريدمان
المصدر: ستراتفور عدد الصفحات: 9.5 بتاريخ: 8/6/2010
ترجمة دكتور محمد يوسف محمد المحمودي
لا تزال أصداء الأحداث التي وقعت بعيداً عن السواحل الإسرائيلية تدوي في كل مكان. ومع أن العلاقات التركية-الإسرائيلية لم تنهار بشكل كامل بعد هذه الأحداث، إلا أنها وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ قيام دولة إسرائيل. كذلك، تصاعدت التوترات الأمريكية-الإسرائيلية وتواصل العداء الأوربي لإسرائيل في التصاعد. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن يتعلق بماهية العواقب والتبعات الكبرى التي قد تنتج من الحادث. وبصياغة الأمر بشكل مختلف، يتعلق السؤال باحتمالية وكيفية استغلال الأمر خارج ميدان الرأي العام.
إن التهديد الأكبر لإسرائيل، بكل تأكيد، هو ما يتعلق بالجانب العسكري. فالانتقادات الدولية ليست غير ذات أهمية، لكن الدول لا تغير اتجاهها دون وجود تهديدات مباشرة لمصالحها. لكن من غير المتوقع أن تستخدم القوى الموجودة خارج المنطقة القوة العسكرية ضد إسرائيل، حتى وإن صار فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية ضد إسرائيل أمراً غير متوقع الحدوث. وبعيداً عن رغبة القوى الخارجية في تحديد وتقليص ارتباطاتها وعلاقاتها، يتأصل هذا الأمر في حقيقة أن من غير المحتمل القيام بأعمال كبرى من داخل المنطقة أيضاً.
كان الجيل الأول من الإسرائيليين يعيش في كل تهديد الهزيمة العسكرية التقليدية من قبل الدول المجاورة. ومع أن مزيد من الأجيال الأخيرة تعيش في مواجهة تهديدات، لكن هذا التهديد العسكري لم يعد قائماً. لقد صارت إسرائيل تعمل في سياق استراتيجي متميز لا يلحقها فيه سوى ما يتعلق بميدان الرأي العام، العلاقات الدبلوماسية ومسألة الأسلحة النووية الإيرانية. ومع أن جميع هذه القضايا مهمة، لكن لا يمثل أي منها تهديداً وشيكاً على قدر التهديد بالهزيمة في حرب تقليدية. إن أعداء إسرائيل الإقليميين منقسمون بين أنفسهم بشكلٍ عميقٍ للغاية ولديهم مثل هذه العلاقات المتباينة والمتفرقة مع إسرائيل لدرجة أنه لا يوجد تحالف قوي وفعال ضد إسرائيل – ومن غير المحتمل أن يتشكل مثل هذا التحالف في المستقبل القريب.
باعتبار هذا الأمر، من غير المتوقع أن تكون هناك احتمالات لوجود تحول، على خلاف التصريحات والشعارات، في سلوك القوى الموجودة خارج المنطقة. وعلى كافة المستويات، تعتبر الدول العربية المجاورة لإسرائيل غير قادرة على تشكيل تحالف جزئي ضد إسرائيل. كما أن إسرائيل ليست مضطرة لتحديد معايير ودرجات العواقب والتبعات الإقليمية، بما يوضح رغبة إسرائيل في القبول بإدانة دولية واسعة.
الانقسامات الفلسطينية
لنبدأ فهم كيفية انقسام العرب إلى هذا الحد العميق، علينا أن ننظر بكل بساطة إلى الانقسام الواقع بين الفلسطينيين أنفسهم. فالفلسطينيون منقسمون بين فصيلين مختلفين ومعاديين إلى حد كبير جداً. فعلى جانب من هذا الانقسام نجد فتح، التي تسيطر على الضفة الغربية. وعلى الجانب الآخر نجد حماس، التي تسيطر على قطاع غزة. وبعيداً عن الانقسام الجغرافي للأراضي الفلسطينية – الذي يدفع الفلسطينيون إلى التصرف تقريباً كما لو كانوا مشكلين من دولتين منفصلتين ومعاديتين – ثمة اختلاف أيدلوجي كبير وعميق جداً بين الجماعتين.
لقد تشكلت فتح من حركة علمانية، اشتراكية، قومية-عربية ومسلحة من وضع الرئيس جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي. ومع تأسيسها في الستينيات، كانت فتح متماشية عن كثب مع الاتحاد السوفييتي. وكانت فتح هي الحركة السائدة والبارزة في منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت المنظمة هي المظلة التي جمعت شتى العناصر المنقسمة والمتفرقة بشكل كبير في الحركة الفلسطينية. وقد سيطر ياسر عرفات على فتح لفترة طويلة، لكن وفاته خلفت فتح بدون قائد له سمات شخصية وقبول لدى العامة، رغم وجود بيروقراطية قوية خالية بشكلٍ كبير من وجود أيدلوجية أو استراتيجية متماسكة ومتسقة.
من ناحية أخرى، نشأت حماس من حركة إسلامية. وكانت هذه الحركة مدفوعة بحوافز دينية بعيدة بالمطلق عن فتح ومعادية لها. وبالنسبة لحماس، لم يكن تحرير فلسطين مطلباً وطنياً فحسب، وإنما كان الأمر فرضاً دينياً. أيضاً، كانت حماس معادية لما تراه فساد مالي أتى به عرفات إلى الحركة الفلسطينية، بالإضافة إلى علمانية فتح. وتلعب فتح وحماس لعبة تجميع الأصفار. باعتبار عجزهما عن تشكيل تحالف ورغبتهما المشتركة في فشل الطرف الآخر، ويتمثل الانتصار لأي منهما في هزيمة الآخر. هذا يعني أنه مهما كانت التصريحات والبيانات العامة التي تدلي بها حركة فتح، فإن التركيز الدولي الحالي على غزة وحماس يضعف فتح. وهذا يعني أنه عند درجة ما، ستسعى فتح إلى تقويض المكاسب السياسية التي حققتها قافلة الحرية لحماس.
كذلك، تتطور الانقسامات الجغرافية، الأيدلوجية والتاريخية العميقة لدى الفلسطينيين في بعض الأحوال على عنف. ودائماً ما كانت تؤدي حركة الفلسطينيين إلى الانقسام بين أطيافها، وهذا هو الضعف الأكبر لها. وبالرغم من انقسام الحركات الثورية في العادة بواسطة الطائفية، إلا أن هذه الانقسامات عنيفة للغاية لدرجة أنه حتى بدون تلاعب إسرائيلي، وبدون مناورات، تقلص التهديد الذي يشكله الفلسطينيون لإسرائيل. ومع التلاعب الإسرائيلي، أو ببعض المكر والدهاء، يمكن للإسرائيليين زج فتح ضد حماس.
الدول العربية والفلسطينيون
إن الانقسام بين الفلسطينيين ظاهر كذلك في الآراء المتباينة بين ما اعتادوا على تسميته دول المواجهة مع إسرائيل – مصر، الأردن وسوريا. فمصر، على سبيل المثال، معادية بشكلٍ مباشر لحماس، الحركة الدينية وسط بحرٍ من الدول العربية العلمانية بالأساس. وتتمثل جذور حماس في أكبر الحركات الإسلامية المصرية، جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرتها الدولة المصرية منذ القديم التهديد المحلي الأساسي لها. وقد تحرك نظام الرئيس حسني مبارك المصري بقوة ضد الإسلاميين المصريين وينظر لأيدلوجية حماس كتهديد، يمكنه الانتقال إلى مصر. ولهذا السبب، ولأسباب أخرى، أبقت مصر على حصارها لغزة. ومن ثم فإن مصر أكثر قرباً بكثير لفتح، التي تستمد أيدلوجيتها من العلمانية المصرية، ولهذا السبب، لا تثق حماس في القاهرة إلى حدٍ بعيد.
على صعيدٍ آخر، تنظر الأردن لفتح بانعدام ثقة كبير؛ بعد أن قامت فتح عام 1970 بتنظيم صورة ضد الملكية الهاشمية في الأردن. وانتهى الأمر بمذبحة، يشار إليها باسم سبتمبر/أيلول الأسود، أودت بحياة نحو 10.000 فلسطيني. ولم تصفح فتح بحق عن الأردن وما فعله في أيلول الأسود، كما أن الأردنيين لقم تعد لديهم ثقة مطلقاً بفتح منذ ذلك الحين. ومن ثم، تزعج فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية النظام الهاشمي، نظراً لأن غالبية سكان الأردن من الفلسطينيين. في غضون ذلك، تزعج حماس بأيدلوجيتها الإسلامية الأردن، بعد المشاكل التي عانت منها المملكة مع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. وبنبذ التصريحات جانباً، صار الأردنيون متخوفين على الأرجح من الفلسطينيين وبالرغم من سنوات العداء الإسرائيلي-الفلسطيني، ثمة اتفاقية سلام سارية بين الأردن (ومصر) وإسرائيل.
فيما يتعلق بسوريا، تعتبر سوريا أكثر اهتماماً بلبنان من اهتمامها بالفلسطينيين. فرعايتها المشتركة (مع إيران) لحزب الله الكثير مما تقدمه لرغبة سوريا في السيطرة على لبنان أكثر مما تريده من حزب الله كقوة معادية لإسرائيل. في الواقع، متى اندلع القتال بين حزب الله إسرائيل، تزداد عصبية السوريين وتزداد توتراتها مع إيران. وبالطبع، عندما يعادي حزب الله إسرائيل، لا يكون عندها حركة فلسطينية. كما أن أغلب الفلسطينيين من السنة، ورغم أنهم يشتركون في هدف مشتركة – تدمير إسرائيل – إلا أنه ليس واضحاً أن حزب الله سيريد نوعاً من النظام الذي تريده فتح أو حماس في فلسطين. لذلك، تلعب سورياً لعبة جانبية مع الحركة المعادية لإسرائيلية والتي لا تعتبر حركة فلسطينية، مع حفاظها كذلك على علاقات مع فصيلي الحركة الفلسطينية.
خارج نطاق دول المواجهة، يتذكر السعوديون وأنظمة شبه الجزيرة العربية الأخرى التهديد الذي مثله كل من عبد الناصر ومنظمة التحرير لأنظمتهم. إنهم لا يسامحون بسهولة، ويأتي دعمهم لفتح بوعي كامل بتأثير زعزعة الاستقرار المحتملة للفلسطينيين. ومع أن الإيرانيين يرغبون في أن يكون لهم نفوذ على الفلسطينيين، إلا أن إيران تبعد أكثر من 1.000 ميل عن فلسطين. أحياناً تمر الأسلحة الإيرانية إلى الفلسطينيين. لكن فتح لا تثق في الإيرانيين، وحماس، رغم أنها حركة دينية، سنية في حين أن إيران دولة شيعية. قد تتعاون حماس مع الإيرانيين في بعض القضايا التكتيكية، لكنهما لا يتبادلان نفس الرؤية.
إطلاق اليد الإسرائيلية قصير الأجل والتحدي طويل الأجل
باعتبار هذه البيئة، من الصعب إلى حدٍ بعيد أن تتم ترجمة الاعتداء على إسرائيل في أوروبا والمناطق الأخرى إلى امتيازات مجدية وذات معنى ضد إسرائيل. وفي ظل هذه الظروف، يرى الإسرائيليون عواقب وتبعات الأعمال التي تثير العداء ضد إسرائيل من العرب وبقية العالم على أنه أمر أقل خطورة من فقدان السيطرة على غزة. وكلما أصبحت غزة أكثر استقلالاً، كلما زاد التهديد الذي تشكله لإسرائيل. إن قمع غزة أكثر أمناً بكثير وهو الشيء الذي تدعمه فتح إلى حدٍ بعيد. هذا الحصار يتم بمشاركة مصر، ارتياح الأردن وعدم اكتراث سوريا إلى حدٍ بعيد.
كذلك، تقيم الدول أعمالها على أساس المخاطر والحوافز. كما أن وضع الفلسطينيين والعرب يكافئ إسرائيل على حزمها ويقدم حوافز ومكافآت قليلة للحذر. ولا يرى الإسرائيليين في العداء العالمي تجاه إسرائيل ما يمكن ترجمته إلى تهديد مجدي وذي معنى لأن الواقع العربي يتجاهل الأمر. لذلك، لن يكون تخفيف الضغط عن حماس مجدياً أو ذا معنى للإسرائيليين. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إبعاد فتح ومصر، وإرضاء السويديين، على سبيل المثال. ومع عدم اكتراث إسرائيل بالسويديين بنحو أكبر من اهتمامها لشأن مصر وفتح، تمضي إسرائيل على الدرب الذي كانت عليه.
ثمة نقطة واحدة تلخص قصة إسرائيل والمشاركين في حصار غزة: لم تقم طائرة مصرية واحدة بتهديد سفن البحرية الإسرائيلية، كما لم تقم أي سفينة حربية سورية من الاقتراب من نقطة الاعتراض. وبمقدور الإيرانيين أن يكونوا متأكدين من القيادة الكاملة للبحر والجو دون تحدي. ويوضح هذا الأمر كيف أنه لم يعد لدى الدول العربية القوة العسكرية التي يمكنها تحدي الإسرائيليين بها، كما لا يوجد لديها الرغبة ولا الاهتمام في الحصول عليها. ورغم أن القوات المصرية والسورية كانت تشكل تهديداً للقوات الإسرائيلية في 1973، لا يوجد مثل هذا التهديد الآن. ولإسرائيل اليد المطلقة تماماً في المنطقة من الناحية العسكرية، ولا تضع في حسبانها أي رد عسكري مضاد.
رغم كون التهديد الذي يكمن في الانتفاضة، منفذي الهجمات الانتحارية، الصواريخ من لبنان وغزة ومقاتلي حزب الله حقيقياً، إلا أنه لا يهدد بقاء إسرائيل بالطريقة التي يمثلها التهديد القادم من مصر وسوريا من قبل (وينظر الإسرائيليون للأعمال على شاكلة حصار غزة على أنها تقلل بالفعل من تهديد الانتفاضة، منفذي الهجمات الانتحارية والصواريخ). وتفتقر الأطراف التي لا تمثل دولاً بكل بساطة للقوة التي تحتاجها للوصول إلى هذه الغاية. وعندما نبحث عن الأسباب الكامنة من وراء الأعمال الإسرائيلية، قمة واقع إسرائيلي واحد هو الذي يوضح صنع القرار الإسرائيلي.
ومع أن الانقسام بين تركيا وإسرائيل حقيقي، إلا أنه لا يمكن لتركيا وحدها أن تمارس ضغطاً كبيراً على إسرائيل خارج نطاق الرأي العام والدبلوماسية بسبب الانقسامات العميقة في المنطقة. ولدى تركيا الخيار في تقليص أو إنهاء التعاون مع إسرائيل، لكنها ليس لديها الحلفاء المنتظرين في العالم العربي الذين قد تحتاجهم في العمل ضد إسرائيل. لذلك، تشعر إسرائيل بقلة التهديد أمام رد الفعل التركي. وبالرغم من أن علاقتها مع تركيا مهمة بالنسبة لها، إلا أن ذلك لا يكفي كما هو واضح بالنسبة لإسرائيل لتوقف الحصار وتقبل المخاطر من غزة.
في الوقت الحاضر، تتبنى إسرائيل نفس وجهة نظر الولايات المتحدة، وفي حين أضحت الولايات المتحدة مهمة للأمن الإسرائيلي في أعقاب 1967، صارت إسرائيل أقل اعتماداً على الولايات المتحدة اليوم. وقد انخفضت كمية المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل بشكل كبير مع نمو الاقتصاد الإسرائيلي. وفي المدى الطويل، سيكون الانقسام مع الولايات المتحدة كبيراً، لكنه بشكل مهم، في المدى القصير، سيكون الإسرائيليون قادرين على العمل بشكل فعال تماماً.
على الرغم من ذلك، تواجه إسرائيل هذه المشكلة الاستراتيجية: في المدى القصير، يوجد لدى إسرائيل حرية العمل والتصرف، لكن بمقدور أعمالها أن تغير إطار العمل الاستراتيجي الذي تعمل فيه على المدى الطويل. إن التهديد الأكبر والأكثر وضوحاً لإسرائيل ليس الرأي العالمي، على الرغم من أنه ليس بساذج، ولا يعتبر الرأي العام حازماً أو فاصلاً. التهديد الذي يواجه إسرائيل أن أعمالها ستولد قوى في العالم العربي وهي القوى التي ستغير ميزان القوى في النهاية. وتعتبر التبعات والعواقب السياسية-العسكرية للرأي العام قضية رئيسية، وتتمثل في هذا السياق في أنه لابد وأن تقوم إسرائيل بتقييم الانقسام مع تركيا.
التغير الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل
إن التغير الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل لن يكون الوحدة بين الفلسطينيين، وإنما التحول في السياسة المصرية والرجوع إلى موقفها قبل كامب ديفيد. وتعتبر مصر مركز جذب العالم العربي، الدولة الأكبر وكانت من قبل القوة المحركة من وراء الوحدة العربية. لقد كانت مصر هي القوة التي كانت إسرائيل تخشاها أكثر من جميع القوى الأخرى. لكن مصر في عهد مبارك قامت بتحويل موقفها من الفلسطينيين وسمحت بضمور قدرات الجيش المصري، وهو الأمر الأكثر أهمية بكثير. فإذا ما اختار خليفة مبارك الاصطفاف إلى جانب هذه القوى والمضي باتجاه إعادة بناء قدرات الجيش المصري، على الرغم من هذه كله، ستواجه إسرائيل معادلة إقليمية مختلفة. وبمقدور تركيا المعادية المصطفة إلى جانب مصر أن تعجل تعافي الجيش المصري وتشكيل تهديد قوي لإسرائيل. وستزيد الرعاية التركية للنمو العسكري السوري ضغوطاً أكبر وأكثر. وتخيلوا عالماً شكل فيه المصريون، السوريون والأتراك تحالفاً أعاد التهديد العربي لإسرائيل وأعاد الولايات المتحدة إلى وضعها إبان الخمسينيات من القرن الماضي عندما كانت لا تقوم بدعم إسرائيل مادياً، وقد أصبح واضحاً أن اتحاد القوة التركية الصاعدة مع التحول السياسي في العالم العربي يمكن أن يمثل خطراً كبيراً لإسرائيل.
حيث لا يكون هناك توازن للقوى، يمكن للدولة المسيطرة أن تتصرف بحرية. المشكلة في ذلك أن القيام بهذه الأمور يدفع الدول المجاورة باتجاه محاولة خلق توازن قوى. لم تكن مصر وسوريا تهديداً قابلاً للتجاهل والإهمال بالنسبة لإسرائيل في الماضي. ومن مصلحة إسرائيل أن تبقي على الدولتين في حالة من السلبية. ولا يمكن للإسرائيليين أن يستبعدوا التهديد المتمثل في أن تتسبب أعمالها في تحفيز ودف عمليات سياسية تتسبب في جعل هذه الدول تتحول إلى سلوكها السابق.
لا يزال الإسرائيليون يتذكرون ما الذي جنوه من تقليلهم من قدر مصر وسوريا عام 1973. من الجدير بالاهتمام معرفة المدى الذي يمكن أن تعود عنده القدرات العسكرية بشكلٍ سريع وواسع: تذكروا أن الجيش المصري قد دُمر في 1967، لكن بحلول عام 1973 كان قادراً على شن هجوم أخاف الإسرائيليين بشكلٍ تام. إن الإسرائيليين لديهم اليد العليا في المدى القصير. ما يتحتم عليه حسابه وتقديره هو ما إذا كانوا سيبقون على اليد العليا لهم إذا واصلوا مسارهم هذا. ومع أن الانقسام في العالم العربي، بما في ذلك الانقسام بين الفلسطينيين، لا يمكن أن يختفي في ليلة واحدة، ولا يمكنه كذلك أن يولد تهديداً عسكرياً استراتيجياً، إلا أن الوضع الحالي للعالم العربي ليس ثابتاً. لذلك، يبدو تخفيف الأزمة الراهنة ضرورة استراتيجية طويلة الأجل بالنسبة لإسرائيل.
لقد أفرزت الأعمال الإسرائيلية تحولات في الرأي العام والدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. ويقدر الإسرائيليون أن هذه الأعمال لن تنتج تحولاً طويل المدى في الوضع الاستراتيجي للعالم العربي. إذا كانوا مخطئين في هذا الأمر، فإن الأعمال الأخيرة ستكون خطأً استراتيجياًَ كبيراً. وإذا كانوا على صواب، عندها لا يمكن اعتبار ذلك الأمر حادثاً آخر يمر. في النهاية، ستحمي الانقسامات العميقة في العالم العربي إسرائيل وتجعل الحلول الدبلوماسية لتحديها أمراً مستحيلاً تقريباً – أنتم لا تحتاجون إلى مقاتلة القوات المنقسمة جداً، لكن من الصعب جداً أن تتفاوضوا بشكلٍ كاملٍ وشاملٍ مع مجموعة تفتقر أس شيءٍ يقترب من الصوت الموحد أو يضاهيه.
تعليقات
إرسال تعليق