برمنجهام – مدينة القنوات والطواجن والمجوهرات

 برمنجهام – مدينة القنوات والطواجن والمجوهرات

تعتبر برمنجهام، "ثاني أكبر مدن إنجلترا" التي يشار إليها في الغالب بكلمة "برام" – برمنجهام في المملكة المتحدة، هي المدينة البريطانية الأكثر ازدحاماً بما تعج به من معالم تشاهدها وفعاليات تعايشها وتمارسها أثناء تواجدك فيها – مناطق جذب سياحي تاريخية، مساحات خضراء، حانات موسيقية، مسارح، معارض فنية، مطاعم وحياة ليلية مثيرة.

برمنجهام الخضراء

تطورت برمنجهام من مدينة سوقية صغيرة في 1166 عندما حظي بيتر برمنجهام بشكلٍ عادل على ميثاق وعهد تأسيس السوق من الملك هنري الثاني. وهناك حسب ما هو واضح القليل من الحقائق المدهشة والرائعة عن مدينة برمنجهام والتي يحرص عدد قليل جداً على الإلمام بها أو التعرف عليها.

وبالرغم من كونها مدينة مفعمة بالنشاط ومتغيرة على الدوام، تعتبر برمنجهام واحدة من المدن الأكثر خضرة في المملكة المتحدة وبها قدر كبير من المنتزهات والحدائق والمساحات المكشوفة والمفتوحة التي تستوجب الاكتشاف والاستمتاع بها.

وبشكلٍ ممتع وشيق، يوجد في برمنجهام أشجار أكثر من الأشجار الموجودة في باريس وبها حدائق ومنتزهات أكثر من الموجودة في أي مدينة أوروبية أخرى. وتعتبر الحدائق والصوب النباتية الخضراء في برمنجهام، واحدة من الأناقة والتألق مساحتها 15 أكر (فدان)، معقلاً لمجموعة بونساي الوطنية (National Bonsai Collection) المكان المثالي لمعايشة هدوء الحديقة الإنجليزية بشكلٍ رائع ومميز.

كذلك، تعتبر حديقة كانون هيل واحدة من حدائق برمنجهام الرئيسية والعريقة وقد تم منحها مرتبة العلم الأخضر. وتنتشر بها أسرة الزهور الرائعة، البحيرات، البرك ومجموعة من الأشجار الفريدة الرائعة، ومن السهل تفهم سبب ذلك. 

ما يجعل برمنجهام حتى أكثر جمالاً وتألقاً هو قنواتها وترعها التي تتفوق بشكلٍ عرضي ودون قصد على تلك القنوات الموجودة في فينيسيا بنحو 22 ميلاً. وهذا ليس مدهشاً لأنه بالرغم من وجود شبكة مكثفة من الترع والقنوات في فينسيا إلا أنها تعتبر مكاناً صغيراً جداً مقارنةً بمدينة برمنجهام. ويقع حوض طريق الغاز في برمنجهام في محور شبكة الطرق المائية المحلية في إنجلترا، الواقعة على طول شبكة القنوات في قصر بريندلي، باتساع واجهة مائية تم بناؤها في التسعينيات، ويعتبر مركزاً للحياة البحرية المحلية، بها نفق أنبوبي شفاف تحت الماء بدوران 360 درجة ما يتحي فرصة مشاهدة الكائنات البحرية عن قرب. وقد لعبت قنوات برمنجهام دوراً مهماً في الثورة الصناعية بانجلترا عندما كانت مدينة "الألف حرفة" تعرف باسم "ورشة العالم."

مضاف إلى ذلك شبكة السكك الحديدية الممتازة التي دعمت التجارة. وتعتبر بناية محطة شارع كورزون التي أسسها فيليب هادرويك، كمبنى مناظر لمبنى قوس إيوستون أرك في لندن، أحد أجزاء عمارة وهندسة السكك الحديدة المهمة على مستوى العالم.

ما يستحق ذكراً خاصاً هو صناعة الذهب التي تعود في تاريخها إلى مطلع القرن الثامن عشر. ويوجد في حي المجوهرات التاريخي، أقدم منطقة عمل من نوعها في أوروبا، أكبر مجموعة من الصاغة والجواهرجية الموهوبين وتم وصفه في التراث الإنجليزي باعتباره "كنز قومي." ويأتي نصف كل المجوهرات المصنوعة في المملكة المتحدة من هذه المقاطعة التي يقطن بها حوالي 400 فرع تجزئة متخصص يبيعون المشغولات اليدوية من المجوهرات، ساعات الحائط وساعات اليد.

ميدان القديس بول، الملمح المعماري الجورجي الوحيد الباقي في برمنجهام ويقع في مقابل متحف روم بن وجماعة فناني برمنجهام الملكية. ويوجد لدى برمنجهام كذلك أكبر مكتب  تحليل معادن في العالم يقوم بفحص ودمغ كل المواد المعدنية القيمة حسب المنصوص عليه في قانون دمغ المصوغات.

موطن المخترعين

كانت برمنجهام موطناً لمجتمع لونار، مجتمع غير رسمي متعلم ومثقف فيما يطلق عليه تنوير ميدلاندز (Midlands Enlightenment)، يضم بين فئاته صناعيين، فلاسفة ومفكرين الذين التقوا وتجمعوا في الفترة 1765-1813 خلال اكتمال القمر، لأن الضوء الزائد للقمر جعل رحلتهم في العودة إلى وطنهم أيسر في ظل غياب إنارة الشوارع.

من بين العلماء والمخترعين الأكثر شهرةً في المدينة يبرز ماثيو بولتون، مؤسس أعمال سوهو الهندسية، السيد فرانسيس كالتون، أول من أسس لعلم تحسين النسل والتقنيات المهمة في الإحصائيات، جوزيف برايستلي، الذي اكتشف الأكسجين، جيمس وات، مخترع المحرك البخاري، فيما قام إف, دابليو. لانشيستر ببناء أول سيارة بنزين بأربع عجلات في برمنجهام. ثمة ابتكارات واختراعات أخرى تستحق الثناء والذكر من بينها الإضاءة بالغاز (ويليام مردوك)، بريلكريم (الذي تم تصنيعه من قبل الشركة الكيماوية بالكونتية الواقعة في شارع برادفورد في 1928)، صك العملة (ماثيو يولتون)، الصمام المفرغ بالإضافة إلى أول آلة غزل نسيج وخيوط البكر القطنية لويس باول وجون وايت.

كانت الصفارة المستخدمة التي استخدمها كيت وينسليت في فيلم جيمس كاميرون تايتانيك تعتمد على الصفارة الأصلية المستخدمة لإنقاذ أرواح الناس عندما غرقت السفينة. وقد قام بتصنيع الصافرة شركة موجودة في برمنجهام تعرف باسم شركة جيه هادسون وشركاه ولا زالت الشركة تعمل في التجارة في الوقت الحالي وهي أكبر مصنع للصفارات في العالم. على الصعيد الطبي، كانت أول عملية ثقب في القلب على الإطلاق في مستشفى أطفال برمنجهام كما كان جون هول-إدواردز من برمنجهام صاحب الريادة والسبق في استخدام أشعة إكس.

ويعتبر مجلس مدينة برمنجهام أكبر سلطة محلية في أوروبا حيث يقوم بتوظيف ضعف عدد العاملين في المفوضية الأوروبية. ويوضح النسيج والتطريز المنسوج فوق الباب الرئيس لمقر مجلس المدينة بريطانيا التي تكافئ مواطني برمنجهام على عملهم الجاد. وتعتبر مكتبة برمنجهام المركزية أكبر المكتبات العامة الأوروبية وتعير 8 مليون كتاب سنوياً. كما تم بناء ميدان الذكري المئوية (سنتنري سكوير) المجاور للمكتبة مما يزيد عن نصف مليون طوبة، موضوعة ومعدة يدوياً ومصممة لتشبه السجادة التركية.

ما يثير الإعجاب هو بناء المبنى الغربي الكبير المقنطر (جريت ويسترن أركيد)، الذي يعتبر مثل مكة في قصد المتسوقين له، بقبة زجاجية تم تدميرها في الحرب العالمية الثانية. ويعتبر المبنى الذي يطل بشكلٍ رومانسي على القنوات، صندوق البريد وحلبة الثيران معقلاً للعديد من محلات المصممين، مراكز الترفيه والصالونات.

مدينة المهرجانات والأدب

تباهت برمنجهام على الدوام بموروثها القوي والكبير من الأدب. فقد مكث صامويل جونسون لفترة وجيزة هناك، كما عمل أرثر كونان دويلي في أستون ونشأ دابليو إتش أودين في هاربورن، فينا تربى آر. آر. تولكاين هنا وقد ألهمته الكثير من المواقع والأماكن مثل مستنقع موسيلي، طاحونة سيرهول ومبنى بيروت فولي (أحد أقدم المباني في لندن والموجود منذ 1758 ويقال أنه هو الإلهام الأصلي لكتابة "البرجان"). كما قضى الكاتب الأمريكي واشنطن إيرفينج سنوات كثيرة هنا ينتج العديد من المؤلفات والأعمال الشهيرة مثل قاعة بريسبرج، الظرفاء و إيه ميدلي التي تقوم في كتابتها على رواق أستون.

أيضاً تتمتع برمنجهام بتنوع ثقافي متنوع ومثير يفتح الأبواب أمام اختيار مجموعة من المهرجانات بما فيها من موسيقى ورقص ووسائل الترفيه عتيقة الطراز والرائعة. ويرجع عيد القديس باتريك السنوي والذي يعتبر ثالث أكبر مهرجان خارج دابلين ونيويورك في تاريخه إلى 1952 مع مقدم الأيرلنديين للعمل هنا منذ عشرينيات القرن التاسع عشر.

تستضيف برمنجهام كذلك أكبر احتفال Vaisakhi خارج آسيا على دقات مصاحبة لاحتفالات بهانجرا التي تعتبر موطناً لنحو 90% من موسيقى البهانجرا التي بدأت أصلاً في المملكة المتحدة. ومن قبيل المصادفة تعتبر برمنجهام مركزاً لصناعة الموسيقى الآسيوية في المملكة المتحدة.

كذلك، توجد في برمنجهام أقدم درسة في العالم لتعليم الرقص الاحترافي وهي مدرسة إلمهارست. كما تعتبر المدينة موطناً للكثير من فرق الروك الشهيرة -  دوران دوران، يو بي 40، بلاك ساباث، وغيرها، وغالباً ما يتم وصفها كموطنٍ للمعدن الثقيل.

الثقافة والحضارة 

وقد قامت سلسلة من دور السينما وأكبرها في أوروبا التابعة لسينما أوديون بافتتاح قاعة عرضها الأولى هنا في 1930. وبخصوص الرياضة والألعاب، كانت اللعبة الأولى هي التنس الأرضي وكانت تقام في إديجباستون في 1856.

ومع اعتباها المدينة الأكثر تعدداً في الثقافات والحضارات خارج لندن، لم تكن برمنجهام الاقتصادية المزدهرة لتتلكأ أو تتخلف في تنوعها وما تقدمها من وجبات وأساليب طهي عالمية متنوعة في الكثير من مقاهيها، باراتها، نواديها، حاناتها ومطاعمها الأنيقة وأكشاك الطعام بها على جانب الطريق. أما الطواجن والقواديس، نوع من وجبات الكاري والبهارات الهندية التي ابتكرها المهاجرون الباكستانيون هنا في السبعينيات من القرن الماضي فقد أضحت مفضلة على نطاق واسع داخل وخارج الجالية. وقد صار ما يعرف "مثلث القواديس والطواجن" (بالتي تراي أنجل) بما لديه من 50 مطعماً وفرع وجبات سريعة مشهوراً بوجبته العملاقة (جيانت نانس) (اخبز السميك المخمر والمخبوز في الفرن) مخدوماً بمجموعة لذيذة من اللحم والخضروات في التوابل الحارة.

جنة الشيكولاتة

كذلك، تعتبر برمنجهام جنة الشيكولاتة. فعالم كادبوري (Cadbury World) يقدم رؤية عالية واختراق بين في الشيكولاتة المشهورة عالمياً وأكبر متجر كادبوري في العالم. كما أن مصنع تعليب الشيكولاتة هنا يقوم بلق وتغليف 800 لوح شيكولاتة كل دقيقة. في هذا السياق، تستحق طبقة بورنيفيل في كادبوري (Cadbury’s Bourneville Estate (1894)) إشادة خاصة لكونها واحدة من أوليات المجمعات والطبقات تخطيطاً في تركيزها على الرفاهية الاجتماعية لقوتها العاملة. ثمة ماركات وعلامات تجارية أخرى من برمنجهام هي (إتش بي صوص) صلصة إتش بي التي تتخذ مصنعاً لها في أستون، شاي تايفو – الماركة الأولى التي يتم بيعها قبل التعليب وعلى المنضدة، ومسحوق القستر الذي أعده وطهاه ألفريد بيرد لأول مرة في 1837.

وختامًا، رغم أن أهميتها الصناعية قد تراجعت، تطورت برمنجهام لتصبح مركز تجاري محلي، وقد أطلق عليها في 2010 ثالث أفضل مكان للتجارة والأعمال في المملكة المتحدة. كما تعتبر برمنجهام مركزاً مهماً للمؤتمرات، بيع التجزئة والأحداث والفعاليات المتماشية والمرتبطة بالتكنولوجيا العالية، قطاع البحث والتنمية، بدعمٍ من ثلاث جامعات. وهي كذلك ثاني أكبر مدينة فيما يتعلق بالاقتصاد بالمملكة المتحدة ويتم تصنيفها باعتبارها مدينة الجاما العالمية من قبل شبكة العولمة وأبحاث المدن العالمية. وتحتل المدينة المرتبة الرابعة بين أكثر المدن زيارةً في المملكة المتحدة، وهي مدينة تشعر فيها أنك في بلدك – عالمية بحق ومليئة بالمفاجآت.