سندباد في المزاد.. أسماه أبوه سندباد من شدة حبه وشغفه بتلك الشخصية المشهورة والمعروفة في قصص الصغار والكبار، وكان الفتى محظوظًا بهذا الاسم لأنه من الأسماء التي يصعب نسيانها، وكانت ملامحه، كاسمه، تستقر في أذهان الجميع بمجرد رؤيته لمرةٍ واحدة. كان الفتى نحيفًا وطويل القامة وواسع العينين اللتين تجذبان إليه كل شغوفٍ بالعسليتين الباسمتين مع وجنتيه الحمراوتين من خجله تارة ومن نشاطه الدائم وحيويته تارةً أخرى.
سندباد في المزاد
كان سندباد بسيطًا ومتبسطًا مع الناس، رغم أنه قد ورث عن أبيه الإقطاعي مئات الأفدنة في قريةٍ تحمل اسمه "السندباد" بعدما تبرع الأب بقطعة أرض لاهل القرية يقيمون عليها مسجدًا. وكان من فرط كرم الوالد أن أنفق بسخاء على تأسيس وإعمار المسجد حتى صار أنيق الشكل للحد الذي جعل البعض يصفونه بالتحفة المعمارية، وكان هذا المسجد مثار دهشة القرويين المقيمين في القرية وخارجها؛ ممن رأوا أن المسجد أكبر بكثيرٍ من طموحات الساكنين في هذه القرية، بل وحتى الساكنين في المنطقة التي تتبعها تلك القرية.
كان اسم السندباد موسيقيًا يعلق في أذهان الكثيرين وكان سجعه متوافقه مع سجع والده جهاد الذي كان يحب هذه القرية وأوصى أبناءه أن يدفنوه أمام بيته فيها، وهو في الحقيقة لم يكن بيتًا بقدر ما كان استراحةً لأسرة السندباد التي كانت تقيم في القاهرة التي كانت شاهدةً على تميز جهاد في مجال تكنولوجيا المعلومات لامتلاكه واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات في مصر.
في الحقيقة، كان القبر والد السندباد مزارًا للكثيرين في تلك القرية النائية، لأنه كان رجلًا محبًا للقرية ومعطاءًا في مجال عمله، وربما كان هذا سببًا في حرص السندباد على أن ينزل جوار أبيه بعد موته، بعدما أوصى المقربين منه بحتمية دفنه في تلك القرية من شدة حبه لها ولأهلها ووفاءًا لوالده واعترافًا بعظم رسالته وقيمة ما غرسه في نفوس الناس وبعدما رأى جزاء ذلك من ود أهلها والثناء الحسن على أبيه وبعدما وجد نماءًا وبركة في ماله وعمله.
ومرت الأيام والحب متبادل بين أهل القرية والسندباد، لكنه في إحدى زياراته إلى القرية، أثناء قضاء عطلة عيدٍ من الأعياد، أصيب بحمى شديدة حالت دون عودته إلى القاهرة، فمكث في استراحة العائلة مع أمه اعتماد وشقيقته هندباد. كانت شقيقة السندباد أصغر منه سنًا وكانت جميلةً أنيقةً رقيقة ومرهفة الحس والقلب. ولا حاجة هنا للقول إن الزائرين كانوا يتوافدون على بيت ابن الباشا الكبير لزيارته.
وبعد مرور يومين، قدمت إلى السندباد امرأةً ريفيةً اسمها زاد تقسم بأغلظ الأيمان أنها لن ترحل حتى يبرأ ولن تكف عن خدمته. كانت زاد رشيقة أنيقة ومتألقة بزيها الفلاحي الجميل، وكانت ممشوقة القوام وعسلية العينين أيضًا وكانت البسمة تشق سحب الحزن المرسومة على وجهها رغمًا عنها. ولما سألها مرةً عن سبب حزنها قالت إنها حزينة على وفاة أبيها ناظر الأرض السابق الذي كان يعمل في خدمة الباشا الكبير والد السندباد. ورغم كتائب الذباب التي كانت تهاجم المكان كل فترة، كان الاستماع إلى حكايات زاد عن القرية وأهلها متعةً لا تقدر بمال عند السندباد.
.. يتبع
رواية أدعو الله أن أكملها على خير
محمد يوسف محمد المحمودي
تعليقات
إرسال تعليق