الزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر .. حبٌ فغيرةٌ فطلاق.. بقلم محمد يوسف محمد المحمودي

الزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر.. لم أكن أتصور أبدًا أن الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو حواري الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجته أسماء ذات النطاقين ابنة أبي بكر الصديق وشقيقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم جميعًا سيفشلان في زواجهما يومًا وستنهار علاقتهما الزوجية بهذا الشكل. لكن من هذا نتعلم.

الزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر.. حبٌ فغيرةٌ فطلاق

هل تستوعبون فكرة كون الزبير بن العوام بقيمته وقامته وحسبه ونسبه وبأسه الشديد يطلق زوجته؟ وهل تدركون معنى الطلاق مع امرأةٍ مثل أسماء بنت أبي بكرٍ بقيمتها وقامتها وحسبها ونسبها وجهادها وعظمة مواقفها في نصرة هذا الدين والتصدي للمرجفين في كل زمانٍ ومكان؟

 للأسف، نبالغ كثيرًا في تبجيل العلاقات ونعظمها ونتمسك بها رغم الضرر. نتمادى فيها رغم وجود خيارات أخرى منها الانفصال بالحسنى لو فشلنا في إدامتها. والفشل في العلاقة وارد ولا معصوم منها. لذلك، نرى هنا إنهاء العلاقة بين الكبار فيه دروسٌ وعبرٌ لنا ولا بأس منه وهذا لا يقلل حتمًا قدر هذين النجمين وعظمة شأنهما في آفاق عقول وقلوب جموع المسلمين.

الزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر.. نجمان متألقان في سماء كل مسلم

تعالوا بنا قبل كل شيء نركز قليلًا فيما نحن فيه ونستعرض أولًا نسب الزوجين لنعلم صلة كلٍ منهما برسول الله صلى الله عليه وسلم. فالزوج هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي. 

كانت كنية الزبير أبا عبد الله. وبالنظر إلى الاسم نقول إن خويلد يقودنا إلى صلته بالسيدة خديجة، رضي الله عنها عمته، وشقيقة أبيه. أما أمه فهي صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها، وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حواري الرسول صلى الله عليه وسلم

أيضًا يعرف الزبير بحواري الرسول صلى الله عليه وسلم، بعدما وصفه صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف

“إن لكل نبيٍ حواريًا، وحواريي الزبير.”

معنى الحواري لمن لا يعرفه هو الناصر والداعم والمعين. يعني هذا أن سيدنا الزبير بن العوام عاش مناصرًا للرسول صلى الله عليه وسلم. فلا عجب إذن لو علمنا أنه الزبير أسلم وعمره ست عشرة سنة وصار من أوائل الذين دخلوا في الإسلام، وتعرض للبلاء والتعذيب الشديدين لكنه صبر وأصر على إسلامه دونما خوف أو وجل أو جزع، وهاجر الهجرات كلها وشهد البيعة وكان ممن رضي عليهم عليهم في بيعة الشجرة.

ذات النطاقين

أسماء بنت أبي بكر، ابنة ذاك الكريم المعروف بالصديق السخي المشهود له بتفانيه وإخلاصه في نصرة دين الله حتى أتاه اليقين. رضي الله عنها وعن أبيها. وإذا كانت المرأة تنكح لدينها فهذا دينها معلومٌ بالجهاد وتصديها للأوغاد، وإذا كانت تنكح بنسبها وحسبها فهذه المرأة تعصف بنساء الأمة كونها ابنة الصديق أول من أسلم من الرجال وصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم.

أيضًا، لا يجب أن ننسى كونها شقيقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأبيها. وقد ذكر المؤرخون أن أسماء كانت أكبر من عائشة بعشر سنين.

عرفنا أسماء بذات النطاقين، بعدما شقت نطاقها لحمل الطعام والشراب للرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار. وكانت رضي الله عنها تغامر وتخاطر بحياتها في الهجرة وبعدها. لذلك، نحسب أن جهادها في نصرة دين الله مكتوبٌ بأحرفٍ من نورٍ في سجلات هذه الدنيا. وستظل رضي الله عنها مذكورةً في كل مجلسٍ وعلى كل منبرٍ بكلمات الثناء والتعظيم على دورها الرائد كإنسانة مسلمة، وأمًا عظيمة وزوجة رائعة.

زواج الزبير من أسماء رضي الله عنهما

بالنسبة لزواج الزبير وأسماء، ثمة روايات عدة وخلفيتها واحدة فيها شبه اتفاق أو إجماعٍ إجماع على أن أسماء رضي الله عنها وصفت زواجها بالخير. وقالت أسماء إن الزبير تزوجها وما له في الأرض من مالٍ ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه. لكن ما يدفع فتاة إلى الزواج من هكذا رجل إلا كونه صاحب سمات شخصية ومواقف حياتية وحضور قوي في ميدان الرجولة وقتئذ. فالرجال تعرف بالأفعال وليس بالأقوال.

أيضًا، يمكنني أن أستشف من شهادة أسماء عظمة الشخصية التي تتحلى بها أسماء وكيف أنها بدأت حياتها مع زوجها من الصفر. ولو كانت واحدة من بنات هذا الزمان لما قبلت أن تتزوج برجلٍ كهذا. لكن ويحي إن قارنت أسماء بغيرها، ومن مثل أسماء اليوم يا سادة؟ ترى ماذا كانت تفعل أسماء في حياتها مع زوجها؟ تقول أسماء :

إنها كنت تعلف فرس زوجها وتكفيه مؤنته وتسوسه وتدق النوى وتعلفه وتسقي الماء وتقوم بأعمال المنزل من خبز وعجن، لكنها لم تكن تحسن الخبز. لذلك، كان يساعدها في الخبز بعض جاراتها من الأنصار.

غيرة الزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر

بالإضافة إلى ذلك، تقول أسماء فيما قالته:

"كنت أنقل النوى من أرض الزبير الذي أقطعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ. وفي يومٍ من الأيام، مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنوى على رأسي فدعاني وقال: “وَسَلَّمَ ومعه نفر من أصحابه، فدعاني، فقال: ” إخ إخ ” ليحملني على فرسٍ كان خلفه."

هذه فرصة لا تتأتى للكثيرات، لكن أسماء راعت خاطر زوجها واستحيت أن تسير في ركب الرجال، فمضى الرسول صلى الله عليه وسلم وتركها بعدما رفضت. ولما حكت ذلك الموقف لزوجها الزبير قال لها: “والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه.” وفي هذا يظهر الزبير مدى حبه لزوجته وحرصه عليها وعلى راحتها. لذلك، أرسل لها أبوها أبو بكر رضي الله عنها خادمةً لتساعدها وتخفف عنها هذا العناء وتلك المشقة.

وبعد مرور سنواتٍ زاخرة بالعطاء والحب والألفة بين الزبير وأسماء، أنجبت له عبدالله. كذلك، أنجبت أسماء للزبير عروة، والمنذر وعاصم والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن وعائشة، وهذا دليلٌ كاف على الوصال وقوة العلاقة الزوجية بينهما واستمرارها وقتًا طويلًا، ولكني لا أريد الجزم أو الانحياز لأقوال بعض المتصدرين للاجتهاد في تحديد تلك المدة. المهم أن ما لفت نظري أن الزبير كان يتزوج أربع نساء، وكانت أسماء رضي الله عنها واحدةً منهن، لكنها كانت أروعهن وأكثرهن عطاءًا ومودة.

 الطلاق وتدخل عبدالله بن الزبير فيها

استقصينا الأمر حتى وصلنا الأثر مع الأثر والخبر مع الخبر والرواية مع الرواية ووجدنا أن الحكاية فيها ما فيها من غيرة وحب. كيف؟ لقد زادت غيرة أسماء بعدما كبرت وأصبحت تضيق ذرعًا بشدة الزبير بن العوام الذي أفرط عنها في غيرته عليها في بعض المواقف. طبعًا هذا دليلٌ على حب الزبير لها، فالغيرة مبعثها الحب ومنبعها شدة حرص صاحبها على الانفراد بمن يحب.

أيضًا، لا تخلو البيوت من المشكلات والأمور التي تؤرق الحياة الزوجية. وربما كان هناك ما يشغل أسماء أكثر من هموم الدعوة أو أحداث ونوائب الدهر. لذلك، ربما كانت الدنيا قد هانت عليها وبدأت تضيق ذرعًا بالزبير الذي كان شديدًا عليها. وربما هذا هو ما شكت منه لأبيها رضي الله عنه قبل وفاته. وقد قال لها الصديق رضي الله عنه:

"إن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده، فإن الله يجمعهما في الجنة."

دوام الحال من المحال

حتمًا تبدلت الأوضاع وتغيرت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيها، فضافت أسماء ذرعًا بطبائع الزبير، أو غارت عليه من النساء الأخريات، والله أعلى وأعلم فحدثت مشاجرة بينها وبين زوجها فضربها، فنادت على ابنها عبدالله. فلما أقبل عبد الله قال له أبوه: أمك طالق لو دخلت عليها. فرد عليها عبدالله دون تردد: “أتجعل أمي عرضةً ليمينك؟ قالها مستنكرًا ودخل على أمه وخلصها من أبيه ووقع الطلاق وبانت الزوجة من زوجها. وظلت أسماء تقيم مع ولدها عبد الله بن الزبير بعد طلاقها هذا.

على أي حالٍ كان الزواج بين القامتين عظيمًا وقد شرفني الله بالكتابة عنهما وعن علاقتهما الرائعة القائمة على الأخلاق والمودة. وبالطبع، لا تخلو أي علاقة زوجية من شد وجذب، لكن الفرقة كانت بالمعروف. فقد كان الزبير حريصًا على زوجه وولده ودينه، وما من بشرٍ معصومٍ بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجميع. وقد شرفني الله بالكتابة عن قصة طلاق الزبير بن العوام من أسماء بنت أبي بكر.

 

 اقرأ لي أيضًا .. مقام ابراهيم عليه السلام وحدوده